الأربعاء، 23 مايو 2012





الصفحة الرئيسة اسرة المجلة الصفحة الحرة تكنلوجيا المعلومات آفاق   العدد الرابع والثلاثون - كانون الأول 2010

 الترجمة في العراق والخليج العربي في القرن الحادي والعشري أ.م. د. هناء البياتي
تحتل منطقة الخليج العربي مكانة بارزة ومتميزة في التأريخ الإنساني بماضيه وحاضره وقد ازدادت هذه الأهمية في التأريخ المعاصر بعد التطورات التي شهدتها المنطقة في مختلف المجالات حيث أصبحت ملتقى الحضارات والأجناس المنوعة القادمة من أنحاء العالم كافة. والترجمة هي إحدى هذه المجالات المهمة التي لعبت دوراً أساسياً في إطار التبادل الثقافي والتفاعل الحضاري بين الشعوب. و كان العراق في صدارة الدول الخليجية التي ساهمت في تطور الترجمة الأدبية والعلمية في القسم الثاني من القرن العشرين الذي شهد ازديادا ملحوظا في التطور العلمي وكانت الحاجة ملحة لترجمة آلاف من المفردات الاجنبية وكان على المترجمين العرب والعراقيين أن يترجموا في مختلف ميادين العلوم والمعارف وكانت المجامع العلمية في القاهرة وبغداد ودمشق تواكب سرعة تدفق المعلومات. وبذلت مجامع اللغة العربية والمترجمون جهودا مضنية. وألفت لجان ومكاتب ومؤسسات في مختلف بلدان الوطن العربي للترجمة والتعريب ومن ضمنها العراق. وقد نجحت هذه الجهود نجاحا محدودا في ترجمة العلوم التطبيقية والصرفة. فبالرغم من وجود دارين للنشر والترجمة (دار المأمون ودار الثقافة والنشر) في بغداد وكذلك مساهمات مجلة الثقافة الأجنبية فإن القصور واضح تماماً في إغناء حركة الترجمة في العراق في القرن العشرين. أما في القرن الحادي والعشرين فلا غرابة أن يسوء واقع حركة الترجمة عما كان عليه سابقا وذلك نتيجة الحروب والويلات التي مر بها العراق والتي دفعت بعجلة التطور الى الوراء مما أثر سلبا على اتصال العراق بالعالم الخارجي بسبب الحصار الثقافي والسياسي الذي مر به في العقد الأخير من القرن السابق.الترجمة في الخليج العربي: أن حركة الترجمة تمر حاليا بثورة حقيقية بعد المخصصات الكبيرة التي وجهت اليها من مؤسسات خليجية. وإن صورة الترجمة لا تنحصر فقط في الكتب والإصدارات فهناك جهد كبير موجه لترجمة الإنتاج الفني والسينمائي من شأنه أن يضيف الى رصيد الترجمة العربية, فضلا عن ترجمة الأفلام الروائية والوثائقية والمؤتمرات والمقالات الصحفية وهذه ظاهرة غير موجودة على صعيد الحجم والنوع والنتائج.
وحسب تقرير التنمية العربية, إن متوسط الكتب المترجمة لكل مليون عربي يساوي 4,4 كتاب, أي أقل من كتاب واحد كل سنة, بينما بلغ العدد 920 كتابا في أسبانيا وخلال أكثر من نصف قرن ترجمت فرنسا ما يقرب من 150 ألف كتابا, كما ترجمت ألمانيا نحو 260 الف كتاب في حين ترجم العرب مجتمعين أكثر بقليل من 9 آلاف كتاب (جريدة العرب الدولية, الخميس , 29 مايو 2008 , ع : 10775 ). يترجم العالم العربي نحو450 عنوانا فقط بينمايصدر في العالم سنويا أكثر من 100الف كتاب مترجم أي أكثر من 12% من مجموع الإصدارات السنوية. وفي إيطاليا وحدها هناك 52 كلية ومعهداً ومدرسة عليا للترجمة.
أحدث مشاريع الترجمة في الخليج العربي:إن تفعيل حركة الترجمة في مختلف العلوم والمعارف البشرية ستقوم بسد الفجوة في المكتبة العربية الناجمة عن القصور في المواكبة السريعة لحركة النشر في الغرب وسيساهم في تفعيل الوجود الثقافي العربي في الغرب. وضمن مشاريع طموحة إنطلقت في مناطق مختلفة من الخليج العربي لتعيد الاعتبار لأحد أكثر المجالات إهمالا في العالم العربي وهو الترجمة. وبعد مرور قرون عدة على ازدهار الترجمة في العصر العباسي, وبشكل خاص في عصرا لمأمون , تخطط أبو ظبي لإعادة هذا العصر الذهبي بترجمة ضخمة للمئات من أمهات الكتب والمؤلفات العالمية إلى اللغة العربية في العلوم والآداب كافة لدعم ونشر ثقافة القراءة في الوطن العربي.يهدف مشروع "كلمة" للترجمة إلى ترجمة 100 كتابا في العام وهذا العدد قابل للازدياد. كما أطلقت إمارة دبي مشروعا لترجمة 50 كتابا من ابرز المؤلفات العربية إلى اللغة الألمانية لتعريف القارئ الألماني والغربي بالأدب العربي. وفي الكويت قامت مؤسسة جائزة عبد العزيز البابطين بإنشاء مركز البابطين للترجمة لتشجيع حركة الترجمة في الوطن العربي. ودعما لحوار الحضارات والثقافات وإنطلاقا من الإدراك بأهمية الترجمة في تبادل المعارف وتقوية التفاعل بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافات الأخرى, أطلقت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض جائزة عالمية للترجمة بإسم "جائزة خادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز العلمية للترجمة". كما أعلنت جامعة الملك سعود في الرياض إطلاق "مركز وطني للترجمة".المعوقات التي تقف في سبيل ازدهار الترجمة وسبل تطويرها:إن مصيبة الأمة العربية التي أوشك نجمها في الأفول هي انتشار الجهل بالعلوم التجريبية الحديثة وعدم توطئتها في أرضها. فالتنكر للغة العلم العربية ومحاربة تعريب العلوم واتهام اللغة العربية بالقصور في مجاراة العلوم الحديثة وقصرها عن استيعاب المصطلحات والظواهر العلمية. وإن شيوع مفاهيم محدودة وأحكام قطعية مسبقة عن تراثنا وتراث الآخرين, وجعل اللغة العربية لغة أدبية لاتتسع لغير الأدب وهذا ما سعى إليه أعداء هذه اللغة . ومازالت رفوف مكتباتنا لا تخلو الا من كتب العلوم التجريبية. وقلة المبادرات في ترجمة الكتب العلمية, وقلة المخصصات,وتراجع الاهتمام المعرفي, وارتفاع نسبة الأمية في العالم العربي . فهناك أمية أبجدية وأمية حاسوبية وأمية ثقافية تقترب إلى 30%. فضلا عن شيوع مفاهيم محدودة وأحكام قطعية مسبقة عن تراثنا. كما أن هناك أموالا ضخمة ترصد للترجمة يتولاها مستشارون أغراب لا يحملون إلا التعصب لحضارتهم وعلومهم. أو تعطى أحيانا الى مدراء قاصرين لايحسنون إدارة المشاريع الضخمة التي يكلفون بها.إن برامج الترجمة الحالية هي إستنزاف مدروس ومبرمج لأموال العرب والأموال الموقوفة لنهضة الأمة العربية. وحتى الكتب التي ترجمت في المجالات العلمية نجدها تتحدث عن تأريخ الرياضيات والعلوم والطب عند العرب. إن تعريب العلوم وتطويرها قضية بحاجة ماسة الى جهود واموال ضخمة ولكنها ليست بالمستحيلة. كما إن متابعة المستجدات العالمية التي لها التأثير الكبير في حركة الشعوب في الوقت الراهن ومتابعة التحديات العالمية والإستعداد للوقوف صفا واحدا في مواجهة ثقافية واعية للاستفادة من علم الآخرين أمر نحن بأمس الحاجة اليه في عصرنا الحالي.أهمية الترجمة في العصر الحديث:لقد تعاظمت أهمية الترجمة في العصر الحديث وألحت الحاجة إليها. وأصبحت من متطلبات الحياة الفكرية المعاصرة, لأنه أصبح من الصعب أن يكون لمجتمع ما استطاع العيش منعزلا عن غيره من مجتمعات العالم بخاصة إذا كان راغبا في اللحاق بركب التطور والحضارة البشرية. وقد أدت الترجمة دورا مهما في حياة الشعوب وتقدمها باعتبارها قناة تنتقل بواسطتها الأفكار بين الثقافات العالمية المختلفة لذلك تهتم الأمم بها وقت السلم ووقت الحرب على حد سواء. فقد قال الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) "من تعلم لغة قوم أمن شرهم". إن اهتمام الأمة العربية بالترجمة يعود إلى عهد مبكر من حياتها. وإن حماسنا في ترجمة الفكر الأوربي أمر لا تنقصه المبررات. فالغرب الذي سبقنا إلى التطور قد خاض قبلنا كثير من القضايا الفكرية والاجتماعية التي لم نتجرأ على خوضها في بلادنا. وقد يكون من المفيد أن نتذكر إن الغرب حين يعطينا فكره مترجما إلى لغتنا إنما يرد إلينا اليوم بعض ديونه المتراكمة القديمة فكم أخذ في غابر القرون عن إبن الهيثم وابن رشد والغزالي وغيرهم من أعلام الفكر العربي. واليوم يعطينا الغرب فكره علما ومعرفة وحضارة.
© جميع حقوق النشر محفوظة لدار الكتب والوثائق 2006
رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1014 لسنة 2008

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية